سورة البقرة - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}
{إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً} أربعين يوماً عدد أيام عبادة العجل.
وعن مجاهد: كانوا يقولون: مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوماً. {فَلَن يُخْلِفَ الله} متعلق بمحذوف تقديره: إن اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده. و{أَمْ} إمّا أن تكون معادلة بمعنى أي الأمرين كائن على سبيل التقرير، لأن العلم واقع بكون أحدهما. ويجوز أن تكون منقطعة. {بلى} إثبات لما بعد حرف النفي وهو قوله: {لَن تَمَسَّنَا النار} أي بلى تمسكم أبداً، بدليل قوله: {هُمْ فِيهَا خالدون}. {مَن كَسَبَ سَيّئَةً} من السيئات، يعني كبيرة من الكبائر {وأحاطت بِهِ خَطِيئَتُهُ} تلك واستولت عليه، كما يحيط العدوّ ولم يتفص عنها بالتوبة. وقرئ: {خطاياه} و {خطيئاته}. وقيل: في الإحاطة: كان ذنبه أغلب من طاعته. وسأل رجل الحسن عن الخطيئة قال: سبحان الله: ألا أراك ذا لحية وما تدري ما الخطيئة، انظر في المصحف فكل آية نهى فيها الله عنها وأخبرك أنه من عمل بها أدخله النار فهي الخطيئة المحيطة.


{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)}
{لاَ تَعْبُدُونَ} إخبار في معنى النهي، كما تقول: تذهب إلى فلان تقول له كذا، تريد الأمر، وهو أبلغ من صريح الأمر والنهي، لأنه كأنه سورع إلى الامتثال والانتهاء، فهو يخبر عنه وتنصره قراءة عبد الله وأبيّ (اَّ تَعْبُدُواْ) ولا بدّ من إرادة القول، ويدل عليه أيضاً قوله {وَقُولُواْ}. وقوله: {وبالوالدين إحسانا} إمّا أن يقدّر: وتحسنون بالوالدين إحساناً. أو وأحسنوا. وقيل: هو جواب قوله: {وإذ أَخَذْنَا ميثاق بَنِى إِسْرءيلَ} إجراء له مجرى القسم، كأنه قيل: وإذ أقسمنا عليهم لا تعبدون. وقيل: معناه أن لا تعبدوا، فلما حذفت (أن) رفع، كقوله:
أَلاَ أَيُّهَذَا الزّاجِرِي أَحْضُرٌ الْوَغَى ***
ويدل عليه قراءة عبد الله {أن لا تعبدوا} ويحتمل {أن لا تعبدوا} أن تكون (أن) فيه مفسرة، وأن تكون أن مع الفعل بدلاً عن الميثاق، كأنه قيل: أخذنا ميثاق بني إسرائيل توحيدهم وقرئ بالتاء حكاية لما خوطبوا به، وبالياء لأنهم غيب. {حُسْناً} قولا هو حسن في نفسه لإفراط حسنه. وقرئ {حسناً} و {حسنى} على المصدر كبشرى. {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} على طريقه الالتفات أي توليتم عن الميثاق ورفضتموه. {إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ} قيل: هم الذين أسلموا منهم. {وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ} وأنتم قوم عادتكم الإعراض عن المواثيق، والتولية.


{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}
{لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ} لا يفعل ذلك بعضكم ببعض. جعل غير الرجل نفسه. إذا اتصل به أصلاً أو ديناً. وقيل: إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه، لأنه يقتص منه. {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه {وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} عليها كقولك: فلان مقرّ على نفسه بكذا شاهد عليها. وقيل: وأنتم تشهدون اليوم يا معشر اليهود على إقرار أسلافكم بهذا الميثاق {ثُمَّ أَنتُمْ هؤلاء} استبعاد لما أسند إليهم من القتل والإجلاء والعدوان بعد أخذ الميثاق منهم وإقرارهم وشهادتهم. والمعنى ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون، يعني أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرّين تنزيلاً، لتغير الصفة منزلة وتغير الذات، كما تقول: رجعت بغير الوجه الذي خرجت به. وقوله: {تَقْتُلُونَ} بيان لقوله: {ثُمَّ أَنتُمْ هؤلاء} وقيل: (هؤلاء) موصول بمعنى الذي. وقرئ: {تظَّاهرون} بحذف التاء وإدغامها. وتتظاهرون بإثباتها وتظهرون بمعنى تتظهرون: أي تتعاونون عليهم. وقرئ: {تفدوهم}، {وتفادوهم}. {وأسرى}، {وأسارى} {وَهُوَ} ضمير الشأن. ويجوز أن يكون مبهماً تفسيره {إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب} أي بالفداء {وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} أي بالقتال والإجلاء. وذلك أنّ قريظة كانوا حلفاء الأوس، والنضير كانوا حلفاء الخزرج، فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه، وإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه. فعيرتهم العرب وقالت: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم. فيقولون: أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم، ولكنا نستحي أن نذل حلفاءنا. والخزي: قتل بني قريظة وأسرهم وإجلاء بني النضير. وقيل: الجزية. وإنما ردّ من فعل منهم ذلك إلى أشدّ العذاب، لأن عصيانه أشدّ. وقرئ: {يردّون}، {ويعملون} بالياء والتاء {فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ} عذاب الدنيا بنقصان الجزية، ولا ينصرهم أحد بالدفع عنهم. وكذلك عذاب الآخرة.

10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17